-->

يوسف بن تاشفين وبسط النفوذ على بلاد المغرب

 


سعى الامير يوسف بن تاشفين الى بسط النفوذ وتوحيد كل بلاد المغرب الاقصى تحت إمارته، فحرك الجيوش في كل الاتجاهات وتتالت الانتصارات، وخضعت العديد من المناطق الجديدة، وتعتبر سنة 467 هـ 1074م محطة فاصلة في تاريخ الدولة المرابطية إذ حقق يوسف بن تاشفين هذا الطموح، لتدخل تحت سلطته كل مناطق المغرب، باستثناء مدينتي طنجة وسبتة، وفي هذه الفترة كتب اليه المعتمد بن عباد ملك إشبيلية يستدعيه للجهاد ونصرة البلاد، فأجابه يوسف بن تاشفين بقوله لا يمكنني ذلك إلا إذا ملكت طنجة وسبتة. 
فقد كانت السيطرة على هاتين المدينتين مهمة صعبة، تستدعي التحضير الجيد وإعداد العدة والقوة القاهرة التي بامكانها بسط النفوذ، واخضاعهما لدولة المرابطين التي أحكمت قبضتها على بلاد الدمنـة بقرب طنجة، وحصن علودان من المعاقـل المنيعة بجبال غمارة. 
فوجه يوسف بن تاشفين جيوشه صوب طنجة في تشكيلات عسكرية تضم اكثر من اثني عشر ألف فارس مرابطي وعشـرين ألفًا من سائر القبائل، تحت قيادة صالح بن عمران وكان أمر الدفاع عنها بيد ضيـاء الدولة الحاجب بن سكوت البرغواطي، وقد جند كل قواه لمحاربـة جيش المرابطين، وعندما اقتربت جيوش المرابطين من طنجة خرج إليهم الحاجب بن سكوت على رأس جيشه، رغم كبر سنه ومناهزته التسعين سنة، إلا انه اقسم أن لا يسمع أحـد من رعيته طبول اللمتونيين وهو على قيد الحياة. 

التقى الجمعان بوادي منى على أبـواب طنجـة، فقتل بن سكوت، ومني جيشه بهزيمة مدوية، ودخل المرابطون طنجـة، سنة 471هـ / 1079م والتجأ إبنه يحيى إلى سبتـة يجـر أذيال الهزيمة وهكذا انتهت دولـة سكوت البرغواطي التي عمرت اكثر من ثلاثين سنة، على يــد المرابطين. 
وبعد هذا الفتح الذي انتظره يوسف بن تاشفين بفارغ الصبر، استأنف المرابطون توسُّعَهم نحو الجزائر شرقا سنة 472هـ / 1080م لمطاردة زناتة التي لجأت إلى مدينة تلمسان، التي كان يحكمها الأمير العباس بن بختي من ولد يعلي بن محمد بن الخير المغراوي، أرسل يوسف قائده مزدلي لغزوها في عشرين ألف مقاتل، واستطاع المرابطون هزيمة جيش تلمسان، وأسر قائده معلي بن يعلي المغراوي الذي قُتل على الفور، وضُرب تجمع زناتة، ثم عادوا إلى مراكش، ويرى بعض المؤرخين ان الهجوم على تلمسان لم يكن بقصد السيطرة عليها في ذلك الوقت، بل لضرب الزناتيين الفارين من فاس، وحماية الدولة المرابطية من هجماتهم الانتقامية المتوقعة، وكسر شوكتهم، وهو ما يفسره عودة القائد مزدلي المبكرة الى مراكش دون أن يثبت أقدام المرابطين في تلك المنطقة[1]. 
بعد عملية تلمسان، اتجه يوسف بن تاشفين نحو الريف، الذي كان يحكمه بيت أبي العافية، وكان قد تركه ولم يأخذ منه إلا منطقة تازا وما جاورها، وغزا تلك الأراضي عام 473 هـ / 1079م وفتح فيها كرسيف ومليلية وسائر بلاد الريف وضرب مدينة تكرور ولم تُعمر بعد ذلك مدة طويلة، وكان الدافع إلى ذلك حتى لا تتخذها زناتة حصنًا لمقاومة المرابطين. 
وبعد عملية الاستيلاء على الريف عاد المرابطون للقضاء على زناتة تلمسان وإخضاعها، حيث سار يوسف بجيوشه نحوها وفي طريقه فتح وجدة وبلاد بني يزناسن وذلك عام 474 هـ الموافق 1080، ثم وصل إلى عاصمة المغرب الأوسط وضرب عليها حصارا خانقا، حتى استسلمت فقتل أميرها العباس بن يعلي، وولى عليها محمد بن تنيغمر، وصارت ثغرًا للمرابطين بدلًا عن ثغر تازا، ثم تتبع يوسف زناتة شرقًا فاستولى على وهران وتنس وجبال وانشريش ووادي الشلف حتى دخل مدينة الجزائر، وتوقف عند حدود مملكة بجاية التي حكمها بنو حمَّاد، فأقام يوسف في مدينة الجزائر الجامع الكبير الذي لا يزال احد الشواهد الحية على العمارة المرابطية في الجزائر، وعاد إلى مراكش عام 475 هـ 1081م بعد أن أمن حدوده الشرقية وتخلص من خطر المقاومة الزناتية. 
بقيت سبتة المدينة الوحيدة التي لم تخضع بعد لسلطة المرابطين، وكان يحكُمُها بعد وفاة الحاجب بن سكوت ابنُه ضياء الدولة يحيى بن سكوت، وقد صمد فيها، إلا ان تمكن يوسف بن تاشفين بمساعدة المعتمد بن عباد (آخر ملوك بني عبَّاد في الأندلس) الذي اسعفه بسفينة حربية ضخمة رجحت كفة المعركة لصالح المرابطين، بعد محاصرتها برا وبحرا واقتحامها حيث دارت معركة بحرية طاحنة، وفي نهاية المطاف استطاع المرابطون أن يفتحوا سبتة، بعد هزيمة وقُتِل ضياء الدولة في العام 477 هــ/ 1084م. وهكذا وبعد جهاد استمرَّ ثلاثين عامًا، أصبحت دولة المرابطين في مرحلة التَّمكين الفعلية بعدما سيطرت على بلاد السودان جنوبا والصحراء الغربية والمغرب وامتدت من المحيط الأطلسي غربا إلى الجزائر العاصمة شرقا وبدأت الانظار تتجه شمالا نحو الاندلس التي تحولت الى مسرحا للشتات وتمزق دولة المسلمين ... يتبع
إعداد : حمة المهدي 
بعض المراجع: 
1) دولة المرابطين في المغرب والأندلس: عهد يوسف بن تاشفين امير المرابطين، سعدون عباس نصر الله، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، لبنان، الطبعة الاولى 1985 ص 51
2) ابن خلدون، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.
3) ابن عذارى، أحمد بن محمد، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب الطبعة الثانية، بيروت، دار الثقافة، 1400هـ 1980م، ج4

Contact Form

Name

Email *

Message *