-->

إستشهاد أمير المرابطين يحيى بن إبراهيم الجدالي الذي بدأ به أمرهم

 


في خضم مرحلة الجهاد وتوسيع دائرة الاسلام واخضاع الخارجين عن الدين والرافضين لنشر الدعوة الاسلامية، استُشهد أمير المرابطين يحيى بن إبراهيم الجدالي في معارك ضد الوثنيين على تخوم السودان ( ما يسمى اليوم السنغال وما جاورها ) سنة 439هـ 1047 م فخيم الحزن على قلوب المرابطين، لما للأمير يحيى من رمزية كبيرة فهو أول من بنى أسس الدولة المرابطية رفقة الزعيم الروحي عبد الله بن ياسين، وقد عرف برجاحة العقل وسداد الرأي ونفاذ البصيرة والحرص على هداية قومه وانقاذهم من الشرك والوثنية، وشجاعته في الحق والوقوف عنده، كيف لا وهو السبب في وجود بن ياسين في الصحراء، وقدم له كل الدعم حتى ظهرت دعوته وأنتشر علمه، وحين كابر قومه ورفضوا نصحه وارشاده، وطردهوه، آثر الرحيل معه، فكان أحد السبعة الذين ناصروه ورابطوا معه، مقدما نموذجا فريدا في التضحية بالمكانة الاجتماعية والسؤدد، لنصرة الدين وإنقاذ قومه من الضلال، فكان النصر حليفه ورحل مطمئنّا بعد أن أدى الأمانة ونجحت الجهود الدعوية التي بدأها مع العالم الجليل عبد الله بن ياسين وقد ترك جيوشا من المؤمنين وهبت نفسها للدعوة الى الله والجهاد في سبيله واصبح للاسلام راية تظل اقطارا كانت مشتتة تسبح في ظلام الجاهلية. 
وامام هذا الفراغ السياسي الذي خلفه رحيل يحي بن ابراهيم، ارادت قبيلته جدالة ان تنصب رجلا من نفس القبيلة لخلافته، لكن عبد الله بن ياسين بعدما عرض امر الزعامة على جوهر الجدالي وزهد فيها وأعرض عنها، نصب يحيى بن عمر اللمتوني[1] من قبيلة لمتونة وذلك لكسر مبدأ تطبيق العصبية القبيلة، التي كانت سائدة، ومحاولة التأسيس لنظام جديد يكون فيه الحكم للاصلح من بين امراء صنهاجة، وكان يحي بن عمر اللمتوني من أهل الدين والفضل، كما كان يحظى بثقة مطلقة لدى بن ياسين ويطيع امره وهكذا تولى يحي بن عمر زعيم ثاني أكبر قبيلتين من قبائل صنهاجة السلطة السياسية للدولة المرابطية التي ظلت في امراء صنهاجة وبقيت السلطة الروحية لعبد الله بن ياسين. 
هذه الثقة والمكانة الكبيرة التي تبوأها، يحيى بن عمر اللمتوني، جعلته يذهب لحشد اسباب النجاح، فدعا قومه الى جماعة المرابطين ونصحهم لما فيه خيري الدنيا والاخرة، واقنعهم بمنهج الحق وشريعة الاسلام العادلة، فاستجابوا له ودخلوا في عصبة المرابطين التي اصبحت كتلة بشرية كبيرة بعد انضمام قبيلة لَمْتُونة. 
بعث عبد الله بن ياسين رسلا الى بلاد افريقيا يدعوهم الى الاسلام، لكنهم قابلوهم بالسخرية والاستهزاء وقتلوهم، فانكر فعلتهم وأجمع أصحابه وتهيأوا لقتالهم، وفي هذا الصدد يقول ابن عذاري: "لما بعث الفقيه أبو محمد عبد الله بن ياسين لأهل هذا الجبل الموالي لبلاد لمتونة يدعوهم للدخول في الإسلام وشريعة محمد –عليه السلام- وأن يؤدوا ما فرض عليهم من الزكاة فامتنعوا وقتلوا رسله، فأمر لمتونة بغزوهم، فخرج إليهم وصعد عليهم الجبل وقاتلهم ثلاثة أيام، مات من لمتونة فيه عدد كبير، وصبر الفريقان صبرا عظيما وفي اليوم الرابع جمع عبد الله بن ياسين أصحابه، وشد من أزرهم وقوى عزمهم وخاطبهم قائلا: "إذا احتسبنا أنفسنا في حق الله وسنة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وأراكم قد أعياكم حرب هؤلاء المشركين، ولم يأمرنا الله أن نتركهم، فاستعينوا بالله ربكم ينصركم عليهم" فكان لتلك الكلمات الشعلة التي الهبت حماسهم، وخرجوا للمعركة في اليوم الرابع فحمي الوطيس بين الفريقين، واشتدت الحرب إلى أن انهزم أعداؤهم وقتلوهم قتلا شديداً وانتهت المعركة بالنصر المبين للمسلمين تحت قيادة الداعية الكبير عبد الله بن ياسين والامير يحيى بن عمر اللمتوني. 
بعد هذه الانتصارات المتتالية للمرابطين في السنوات الأولى من قيام حركتهم توجهوا لمواجهة الممالك الوثنية وتوسيع سيطرة نفوذهم ليشمل كل المناطق المتاخمة وفي عام 444هـ 1052م  كتب شيوخ وفقهاء سجلماسة ودرعة (جنوب المغرب) الى عبد الله بن ياسين، كتابا يطلبون منه النصرة وتخليصهم من الحكام والطغاة الظلمة من زناتة المغراويين، فجمع ابن ياسين شيوخ قَومه وقرأ عليهم رسالة فقهاء سجلماسة، فأشاروا عليه بمدِّ يد العون لهم، وقالوا له: «أيها الشيخ الفقيه هذا ما يلزمنا فسر على بركة الله» فبعد المشورة بين الفقيه بن ياسين والامير يحي بن عمر وقيادة المرابطين قرروا مد يد العون لهم وتحرير اهل درعة وسلجماسة من هذا الظلم وإعادة هذه المناطق الى الاسلام والسنة. 
ذكر ابن خلدون أن الفقيه واجاج بن زلو اللمطي هو الذي كاتب المرابطين بما نال المسلمين من العسف والجور من بنى وانودين أمراء سجلماسة من قبيلة مغراوة الزناتية، وحرضهم على تغيير أمرهم، فخرج المرابطون من الصحراء سنة 445هـ بعد أن خاطبوا أهل سجلماسة ورئيسهم مسعود بن وانودين المغراوي، فلم يجيبوهم إلى ما أرادوا، فغزوهم في جيش عدته ثلاثون ألف جمل سرج، فقتلوا مسعودا واستولوا على مدينة سجلماسة وتخلفوا فيها جماعة منهم، ثم عادوا إلى بلادهم، ويتحدث ابن أبي زرع عن دخول عبدالله بن ياسين الى سجلماسة فيقول: " وأصلح أحوالها وغيَّر ما وجد بها من المنكرات، وقَطَع المزامير وأحرق الديار التي كانت تباع بها الخمر، وأزال المكوس وأسقط المغارم المخزنية"[2]
وتوجه المرابطون سنة 446 هـ 1054م الى أوداغست (وسط موريتانيا ) التابعة لمملكة غانا وسكانها من العرب وبربر زناتة، وهزموا جيشها وسيطروا عليها، وتوسعوا جنوبًا في بلاد غانا وفتحوا الكثير من بلاد السودان الغربية[3]
وفي سنة سنة 448 هـ 1056م قتل الامير يحيى بن عمر بعدما حاصرته جدالة في جبل لمتونة وخاضوا معه معركة قاسية، قتل معه بشر كثير ، فنصب ابن ياسين شقيقه الشيخ أبي بكر بن عمر اللمتوني خليفة له ومعه تبدأ مرحلة جديدة من الجهاد والدعوة .. يتبع 
إعداد: حمة المهدي
ــــــــــــــــــ
بعض المراجع:
[1]  ابن الأثير: الكامل 8/328. 
[2] ابن أبي زرع، ج2، ص20. 
[3] ابن أبي زرع، الأنيس المطرب، ص127.

Contact Form

Name

Email *

Message *