-->

الفتوحات الاسلامية لدولة المرابطين في بلاد السوس والمغرب الاقصى

 


بعدما سيطر المرابطون على بلاد شنقيط والساقية الحمراء ووادي الذهب وذاع صيتهم في أرجاء الصحراء التي عمروها بالعدل ومواجهة الظلم وجاهدوا قبائل البربر التي وقفت ضد دعوة الإصلاح واعادوها إلى حوزة الإسلام الصحيح وتضاعف عددهم بذلك، كما زاد رصيد بيت مال المرابطين بأموال الأعشار والزكاة، الأمر الذي شجعهم على مواصلة جهادهم الى بلاد السوس والمغرب الاقصي. 
فخاضو أشرس المعارك على نطاق واسعة في هاتين المنطقتين، ففي بلاد المغرب جاهدوا البرغواطيين وقضوا على الشيعة والوثنيين، ودخلوا في حرب مع اليهود هناك[1]
ودخل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني بحماسة شديدة بعدما قدَّمه عبدالله بن ياسين، للإمارة على المرابطين، وقلده أمر الحرب، وأثنى عليه، فذكر زهده وورعه وما أصلح الله على يديه من البلاد، فندب المرابطين إلى غزو بلاد السوس بالمغرب الاقصى فخرج في جيوش عظيمة، حتى وصل اليها في شهر ربيع الثاني من عام 448هـ، وقد عين ابن عمه يوسف بن تاشفين اللمتوني اميرا على مقدمة الجيش لغزو مدينة جزولة، التي انتصروا عليها وهنا بدأ نجم أسد المرابطين يوسف بن تاشفين يبرز في هذه المعارك، ثم توجهوا الى تارودانت وكانت مركزا للشيعة الروافض يقال لهم البجلية، نسبة الى عبد الله البجلي الرافضي، الذي قدم على السوس زمن مجيء عبيد الله الشيعي الى إفريقيا، فنشر مذهبه هناك، فهزموهم ورجع خلق كثير منهم الى الاسلام الصحيح، وابصروا حقيقة الدين وعقيدة التوحيد المنافية للشرك والاعتقادات الباطلة ورفع بعض الاشخاص الى منزلة التقديس والاولوهية والطواف بقبورهم والتبرك بالاولياء والصالحين والاستغاثة بهم في جلب النفع او رفع الضر وهي كلها مظاهر شركية، تنم عن الجهل والابتعاد عن صحيح الاسلام وعقيدة التوحيد التي كانت المهمة الاولى للانبياء والرسل منذ نشأة البشرية قال – تعالى-: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36]. 
تقدمت فتوحات المرابطين الى جبال الاطلس حيث قبائل مصمودة وتمكنوا من هزيمتهم وبسط السيطرة عليهم وفي سنة 449 هـ توجه المرابطون الى مدينة اغمات التي تقطنها قبيلة مغرواة تحت حكم الأمير لقوط بن يوسف بن على المغراوي وتعتبر من أول القبائل الأمازيغية التي دخلت في الإسلام مع دخوله الى شمال افريقيا، لكنهم انحرفوا عنه انحرافا كبيرا، فباغتها المرابطون وضربوا الحصار عليها، يقول ابن أبي زرع: "وارتحل (يعني عبد الله بن ياسين) إلى مدينة أغمات وبها يومئذ أميرها لقوط بن يوسف بن علي المغراوي، فنزل عليها وضيق عليه الحصار وقاتله أشد القتال، فلما رأى لقوط مالا طاقة له به أسلمها له وفر عنها ليلا هو وجميع حشمه إلى ناحية تادلا، فنزل في حمى بني يفرن أربابها ودخل المرابطون مدينة أغمات" . فبايعتهم قبائلها وأقاموا بها مع إمامهم بن ياسين لمدة ستة أشهر يمكنون لتواجدهم ويرسخون شريعة الاسلام في النفوس ويشرحون بها القلوب، بعد ذلك سار المرابطون في تتبع فلول المُغراويين واميرهم الذي فر الى تادلا شرقا (وسط المغرب الاقصى)، واحكموا سيطرتهم على تادلا بعد معارك ضارية تمكنوا خلالها من قتل الامير الهارب لقوط وعدد من جنوده الذين رفضوا الاستسلام. 
وبعدما استقر بهم المقام في هذه الربوع التي اصبحت خاضعة لهم، تزوج ابو بكر بن عمر من الاميرة زينب بنت إسحاق النفزاوية ارملة لقوط المغرواي، وهي إمراة فاتنة الجمال ولها شخصية قوية، كانت في ما سبق زوجة لأحد حكام أغمات قبل ان يتزوجها الامير لقوط، ويقول عنها ابن خلدون: «كانت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرئاسة» 
ويقول أبو العباس أحمد بن خالد الناصري : كان الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني قد تزوج زينب بنت اسحق النفزاوية وكانت بارعة الجمال والحسن وكانت مع ذلك حازمة لبيبة ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها الساحرة، فأقام الأمير أبو بكر عندها بأغمات حتى وصلته اخبار تقاتل المسلمين فيما بينهم بالصحراء[2]، ووقوع الخلاف بين أهلها ولما عزم على السفر طلق امرأته زينب وقال لها عند فراقه : يازينب إني ذاهب إلى الصحراء وأنت امرأة جميلة لا طاقة لك على حرارتها وإني مطلقك، واقترح عليها الزواج إذا انقضت عدتها من ابن عمه يوسف بن تاشفين الذي استخلفه على بلاد المغرب، فطلقها، ثم سافر عن أغمات وجعل طريقه على بلاد تادلا، حتى أتى سجلماسة فدخلها وأقام بها أياما حتى أصلح أحوالها ثم سافر إلى الصحراء واخمد تلك الصراعات وقضى على اسباب التنازع والخلاف. 
وكان هذا ديدن الامام المجاهد عبد الله بن ياسين الذي عمل على إخماد الصراعات التي نشبت في الدولة المرابطية سنة 450هـ (1058م) واخضاع هذه المناطق لسلطة الامير ابي بكر بن عمر، حيث طاف بمواطن مختلف القبائل واجتمع برجالاتها ووعظهم، ولم يغادر حتى أخذ عليهم العهودَ والمواثيق بالسمع والطاعة للأمير أبي بكر بن عمر، وكان مما قاله لهم في إحدى خطبه: "ألا تعرفون أنه مَن مات منكم في هذه الحروب الجاهلية؛ فإنه مِن أهل النار"[3] مصداقا للحديث النبوي ((من فارق الجماعة، فإنه يموت ميتة جاهلية)). 
وهذا انطلاقا من حرصه على وحدة الصف والكلمة تحت راية الاسلام وقطع الطريق امام النعرات القبلية والعصبية الجاهلية التي كانت متجذرة في تلك المناطق.... يتبع
إعداد حمة المهدي
ـــــــــــــــــــ
بعض المراجع
[1] أحمد مختار العبادى، في تاريخ المغرب والأندلس، بيروت، دار النهضة العربية، 1978م، ص92-93. 
[2] الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، أحمد بن خالد الناصري، الجزء الثاني-ص 20، مطبعة دار الكتاب - الدار البيضاء-1954م.
[3] ابن عذارى، أحمد بن محمد، "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب" الطبعة الثانية، بيروت، دار الثقافة، 1400هـ 1980م، ج4، ص15.

Contact Form

Name

Email *

Message *